12 Feb
12Feb

هو تلك التحولات الهادئة التي تتسلل إلينا دون أن نشعر، هو إدراكٌ متأخر بأننا لم نعد كما كنا

في بداية الرحلة، كنتُ أعتقد أن النضج لحظةٌ فاصلة، بابٌ نطرقه فنصبح بعده مختلفين، و أن هناك يوماً نستيقظ فيه لنجد أنفسنا قد تغيرنا تماماً، لكنني اكتشفت أن النضج ليس لحظةً ولا قراراً، بل هو تلك التحولات الهادئة التي تتسلل إلينا دون أن نشعر، هو إدراكٌ متأخر بأننا لم نعد كما كنا، وأن الأشياء التي كانت تثير فينا عاصفةً، باتت تمر الآن كنسيمٍ هادئ لا يعكر صفونا.

أدركت أن القوة ليست في الصراخ والجدال، بل في القدرة على الصمت عندما يكون الصمت كرامة

كبرتُ، لا في العمر فقط بل في الروح وفي القلب وفي الفكر، وفي الطريقة التي أرى بها الحياة، لم يعد الصخب يغويني، ولم تعد الانتصارات الصغيرة تبهجني كما كانت، صارت سعادتي أكثر هدوءاً، أعمق وأصدق وصارت خساراتي دروساً أكثر منها نكسات، أدركت أن القوة ليست في الصراخ والجدال، بل في القدرة على الصمت عندما يكون الصمت كرامة، وفي القدرة على التحدث عندما يكون الحديث حقاً.

تعلمتُ أن الزمن ليس خصماً، بل صديقٌ خفيٌّ يحمل لنا هداياه على مهل

كبرتُ، وكبر معي فهمي للحياة لم أعد أركض وراء الأشياء كما كنت، لم أعد ألهث خلف إجابات سريعة أو أحلامٍ لا تعرف الانتظار، تعلمتُ أن الزمن ليس خصماً، بل صديقٌ خفيٌّ يحمل لنا هداياه على مهل، وأن بعض الأمور لا تتضح صورتها إلا بعد أن نبتعد عنها قليلاً.

صرتُ أؤمن أن النضج ليس أن تملك كل شيء، بل أن تعرف قيمة ما تملك

لم أعد أبحث عن الكمال في كل شيء، أدركتُ أن بعض النقصان جميل، وأن بعض العيوب هي ما يمنح الأشياء هويتها الخاصة، لم يعد يعنيني أن يكون كل شيء كما تمنيت، بل أن يكون كما يجب أن يكون و أن أجد الرضا فيما لدي لا فيما أفتقده، صرتُ أؤمن أن النضج ليس أن تملك كل شيء بل أن تعرف قيمة ما تملك، أن ترى الجمال في البساطة، وأن تحتفي بما لديك بدلاً من الانشغال بما ينقصك.

أن يكون داخلك من الطمأنينة ما يكفي ليجعلك تتقبل كل ما يأتيك، خيراً كان أو درساً

أصبحتُ أميز بين ما يستحق وقتي وما يجب أن أتركه دون تردد، لم أعد أجادل لأُثبت رأيي ولم أعد أُصر على بقاء من اختار الرحيل، والحقيقة كنتُ أظن أن النضج يعني الصلابة وأن تكون قادراً على مواجهة الحياة دون أن تتأثر، لكنني تعلمتُ أن النضج هو العكس تماماً، هو أن تصبح أكثر رقةً دون أن تنكسر، أن تحتفظ بقلبك دافئاً رغم برودة العالم، أن تظل قادراً على العطاء رغم كل ما مررتَ به، وأن يكون داخلك من الطمأنينة ما يكفي ليجعلك تتقبل كل ما يأتيك، خيراً كان أو درساً

أدركتُ أن كل سقوطٍ كان خطوةً نحو وعيٍ أعمق

والآن حين أنظر إلى الماضي، لا أرى أخطائي كعلامات ضعف، بل كأدلة على أنني كنتُ أحاول، كنتُ أبحث، كنتُ أتعلم، حينها أدركتُ أن كل سقوطٍ كان خطوةً نحو وعيٍ أعمق، وأن كل لحظةِ ألمٍ كانت تخبرني بشيء لم أكن سأفهمه بطريقةٍ أخرى، لم يعد النضج بالنسبة لي محطةً أصل إليها، بل طريقٌ أمشيه، أتعثر فيه، أنهض، وأستمر في اكتشاف ذاتي، في التغير دون أن أفقد جوهري، في أن أصبح أقرب لنفسي مع كل خطوة أخطوها للأمام.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.